نظرية الفعل الاجتماعي

[hamza]

الفعل الاجتماعي





الإنسان كائن اجتماعي، سلوكه وممارسته اليومية موجه بفعل لانجاز هدف ما، فإن كان الفعل مجرد لايستهدف كائناً آخراً وغايته ذاتية بحتة يختص بالكائن ذاته، اي أنه سلوك أو هدف منجز لصالح كائن بعينه فالفعل يعتبر فعلاً غير حي.

لكن حين يكون السلوك والممارسة فعل موجه لانجاز هدف محدد لكنه يستهدف كائناً آخراً، (أي أن الهدف المنجز منه ليس ذاتياً صرفاً وإنما هدف جماعي) يعتبر فعلاً اجتماعياً، فغاية الهدف أو دافع الفعل ذات طبيعة اجتماعية لايمكن انجازه دون أن يؤثر فيه كائن آخر يستفيد أو يتضرر منه.

ولكل فعل دافع محدد، له هدف أو غاية محددة وبغض النظر عن نوع الهدف وقيمته فليس هناك أفعال عشوائية عديمة الاهداف أو الغايات كونها ناتجة عن كائنات عاقلة يحركها العقل (وإلى حد ما الغريزة) لذلك تكون أفعالها ناتجة عن تفكير مسبق، والتفكير حالة من التعقل لانجاز هدف أو غاية ما.

والجدل هنا لايمس العلاقة بين شدة الفعل وقوة السبب ولا بدقة أو عدم دقة تحقيق الهدف، وإنما درجة القياس تبحث في ممارسة الفعل وغائيته (ذاتية، أو اجتماعية) الذي يحدده السلوك الفردي المرتبط بالوحدة الذاتية للكائن المستقل الذي يبغي هدفاً محدداً من فعله.

وبذات الوقت فإن السلوك الفردي المرتبط بالوحدة الذاتية للكائن باعتباره جزءً من وحدات اجتماعية متماسكة، يؤثر ويتأثر بها فالهدف المنجز حينئذ يكون هدفاً مشتركاً يحقق غاية مشتركة.

يقول ((ماكس فيبر))"إن السلوك في حد ذاته يعتبر وحدة تحليلة غير مكتملة، تكتمل أحياناً حين يرتبط الواقع السيكولوجي بالسلوك الفردي ليصبح فعلاً إنسانياً أنجزه فاعل بينما يصبح هذا الفعل اجتماعياً إذا كان الدافع أو الغاية ذات طابع اجتماعي بالأساس".

وبما أن الهدف المنجز هو نتاج تفكير عقلاني فلابد أن يكون فعله عقلانياً، فالفعل ومسببه يستهدف قيمة ما وحجم القيمة مرتبط بدقة من عدم دقة تحقيق الهدف فبالرغم من أن الفعل موجه بالكامل لتحقيق الهدف فلا يمكن التعويل عليه كلياً دون البحث في كافة تفاصيل العوامل المؤثرة فيه لإنجاز الهدف.

إن نوع الفعل هو نمط من أنماط التفكير لهدف ذات قيمة محددة وبالتالي شدة الفعل المطلوبة لانجاز الهدف يصبح ذي قيمة مقابلة فقد تكون القيمة المطلوبة عالية فتستوجب شدة فعل موازية ونمط تفكير محدد يبحث في العوامل المؤثر والمعيقة وآليات الفعل لتحقيق الهدف بدقة متناهية.

يحدد ((ماكس فيبر)) أربعة أنواع للفعل الاجتماعي: الفعل العقلاني (تبعاً للهدف): أي أن الفاعل يدرك هدفه بوضوح، فجميع الوسائل التحقيقية المحددة للعقلانية مرتبطة بمستوى وعي الفاعل. والفعل العقلاني (تبعاً للقيمة): هو الفعل الذي ينجزه الفاعل من خلال الاعتقاد الشعوري بالقيمة المطلقة ذاتها. والفعل التأثيري (العاطفي): هو الفعل الذي يتأسس بناءً على الحالة العقلية أو الانتقالية للفاعل، فالفعل العاطفي يقترب من الفعل اللاعقلاني. وأخيراً الفعل التقليدي: حيث إن التقليد يتوافق مع الجانب المعياري للنسق الاجتماعي بشكل واضح ومحدد فالعادة ليست ذات طابع معياري في حد ذاتها وإنما ميكانيزم ونمط واقعي لسلوك غير ملزم أتباعه دائماً".
إن الفعل العاطفي بالرغم من كونه لايحتكم الى العقل كلياً وإنما هو من خاصة القلب مركز العاطفة فلايمكن تصنيفه كالأفعال الغريزة كالجنس مثلاُ لأن العاطفة مؤلفة من عناصر روحية يفك رموزها القلب ليستوعبها العقل فيطلق نداءه كفعل عاطفي لانجاز الهدف.

إن العوامل المؤثرة في نوع الفعل متعددة ومرتبطة بالذات والواقع وحجم الصلة لتحديد أبعاده الذاتية أو الاجتماعية لانجاز الهدف، فالسلوك الموجه الذي يستهدف الآخرين يولد سلوكاً مضاداً أو عنصراً من عناصر انجاز الهدف ليمنح الفعل بعداً اجتماعياً صرفاً. وبخلافه فإن السلوك الذي لايستهدف الآخرين وعناصره مستقلة في انجاز هدف ذات طبيعة ذاتية بحتة فإن فعله لا اجتماعي.

إن الفعل الاجتماعي ليس بالضرورة أن يعكس رد فعل موازي ومتشابه يسهم في انجاز الهدف فقد يكون رد الفعل معاكساً أو غير فعال مما يقلل من دقة انجاز الهدف، فهو مرتبط بغاية الذوات المساهمة. أي بما يحققه من مصالح تلبي حاجتها الآنية فالهدف المنجز قد يحقق فائدة كبيرة للطرف الأول باعتبارها غاية منشودة، وفائدة ضئيلة للطرف الثاني تبعاً لمساهمته في انجاز الهدف أو لاشتراكه بفعل رغبة محددة لاترتقي لمستوى غاية الطرف الأول.